بقلم/ الدكتور أحمد عثمان البوريني
في ضوء جائحة فيروس كورنا المستجد Covid-19 التي طالت دول العالم عموماً، تسابق الحكومات والمنظمات الدولية الزمن للحد من الآثار الصحية والاقتصادية السلبية والمتراكمة التي حصدت آلاف الأرواح وأصابت العالم بالشلل ونالت من حجم المخزونات الاستراتيجية وأنهكت الأنظمة الصحية دون أن يتبين موعد محدد لانتهاء هذا الوباء الذي ما زال يوصف حتى اللحظة “بسيد الموقف” الذي يدير الدفة.
فالأمر مرهون بعنصر الوقت في المقام الأول فضلاً عن مدى فاعلية الإجراءات الصارمة ومدى التزام الناس بالتدابير والإجراءات الاحترازية من حيث الحجر الصحي والبقاء في البيوت، وعدم التجمهر، والمحافظة على مسافة كافية أثناء التواصل الاجتماعي بين الأفراد، والتعقيم وغيرها. واللافت في الموضوع هنا هذا الترابط الوثيق والمباشر بين الوقاية الصحية ومدى تأثر الاقتصاد المحلي والعالمي، بصورة لم يسبق لها مثيل.
وفي الوقت الذي تفاوتت ردود الأفعال والإجراءات الرسمية التي اتخذتها الدول عبر العالم، بين وقف عمل المؤسسات والشركات والتحول للعمل عن بعد، وإعلان حالة الطوارئ وصولاً إلى الإغلاق التام ومنع التجول في بعضها؛ يرى المراقبون بأن الآثار الحقيقية لتفشي فيروس كورونا ستمتد إلى أبعد من الأثر المباشر الذي يلمسه العالم حالياً، وذلك إلى ما بعد انتهاء هذه الأزمة. فالآثار بعيدة المدى هي ما باتت تنظر إليه المنظمات الدولية والحكومات.
فقد حذرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية الدولية OECD من أن الأزمة الاقتصادية العالمية الناجمة عن فيروس كورونا سنشعر بها “لفترات طويلة قادمة”، وتوقعت المنظمة التي تضم 36 دولة عضوًا وتهدف إلى تحفيز التقدم الاقتصادي والتجارة العالمية في وقت سابق من هذا الشهر أن التفشي السريع للفيروس يمكن أن يضعف النمو العالمي إلى 1.5٪ في عام 2020، بل ربما تكون هذه التوقعات متفائلة للغاية، نظرًا لعمليات الإغلاق التي تتم في جميع أنحاء العالم، خاصة مع حقيقة عدم وجود نهاية في الأفق بالنظر إلى ارتفاع حالات الإصابة بالفيروس في دول الغرب. وقد صرح أنجيل غوريا الأمين العام للمنظمة أمام وسائل الإعلام بأن: “ما تراه الآن هو تأثير اقتصادي مباشر، ومن الواضح أنه سوف يمتد إلى ما بعد فترة الوباء”.
من جانب آخر، ترى المنظمات والمؤسسات الأكاديمية الدولية، بأن الثمن الذي يدفعه العالم باهظ، وقد يتجاوز قدرات العديد من الدول وربما لا يقف عند إصابة أكثر من 350000 شخصا ووفاة أكثر من 15000حتى اليوم. حيث نجد بأن الأعداد مرشحة للزيادة وأن الخسائر المادية التقديرية خلال العام الحالي قد تصل إلى أكثر من تريليوني دولار.
وسوف نجد بأن الشركات الصغيرة والمتوسطة ستكون أكثر المتضررين اقتصادياً من آثار أزمة فيروس كورونا المستجد، لأن الموقف يعد “اختبار جهد ” stress test لقدرتها على الصمود على المدى الطويل مع ضعف التدفقات النقدية، وهو أمر صعب مقارنة بوضع الشركات الكبرى الأكثر تحملاً، مع حقيقة أن ليس هناك شركة بمنأى عن التأثيرات السلبية الهائلة مع مرور الزمن.
وربما يقول قائل بأنني أعكس صورة قاتمة وسوداوية للوضع من خلال هذا المقال: إلا أن الحقائق والأرقام المتاحة تفضي إلى مثل هذه الصورة. وفي الوقت نفسه نجد بأن الأمر منوط عموماً بمدى تعاون دول العالم وتضافر جهودها وشفافيتها في العمل وعلى كافة المستويات الصحية والاقتصادية والبحثية وتداول البيانات الدقيقة، من أجل تقليص الوقت ما أمكن وصولاً إلى وقف انتشار الفيروس وإيجاد عقار نافع له، بل ووضع خطة تعاون استراتيجي للمستقبل من أجل تفادي الآثار بعيدة المدى ما أمكن. فنحن كما تقول منظمة الصحة العالمية نمتلك بعض الخيارات ولسنا تماماً تحت رحمة هذا الوباء، وهو أمر يبعث شيئاً من التفاؤل.
وفي الوقت الذي بدأت الدول الكبرى والأكثر تأثيرا كمجموعة السبع الاقتصادية G7 تواصلها من خلال وزراء المالية ومحافظي البنوك المركزية لمناقشة جهود التصدي للفيروس والحد من الآثار الاقتصادية؛ نجد بأن تدهور العلاقات بين الولايات المتحدة والصين مؤخراً يحمل في طياته الكثير من الآثار السلبية على المستوى الصحي وعلى النشاط الاقتصادي والأسواق المالية، وتقويضاً للجهود وتأخيراً في إيجاد حلول ناجعة. فكلما طالت مدة الوباء، زادت احتمالات الانكماش الاقتصادي والدخول في مرحلة الركود العالمي، حسب ما يرى العديد من المحللين.
المرونة والدعم الحكومي
بناء على ما تقدم، وفي ضوء التحديات الكثيرة، اتخذت دول عديدة حول العالم تدابير اقتصادية وقائية تتسم بالمرونة لحماية الشركات والافراد والحد من الآثار السلبية لتفشي الفيروس؛ فقد قام مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي بتخفيض أسعار الفائدة إلى مستويات متدنية جداً لأول مرة منذ الأزمة العالمية في عام 2008: تلاه في ذلك دول أخرى حول العالم مثل كندا ودول الخليج كدولة الإمارات والسعودية والكويت. وبلا شك، فإن هذا هو الوقت الصحيح لاتخاذ القرارات المصيرية في هذه النقطة الفارقة بين زمنين: العالم قبل وبعد كورونا.